اعادت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان فرانسوا جيرو الكلام «الضيق» لعدة ايام عن الملف الرئاسي اللبناني المنسي في الأدراج، المحلية والاقليمية والدولية، بكون الدبلوماسي الفرنسي تعاطى سابقاً في ملفات كانت محور نزاع بين الاطراف الداخليين والخارجيين، اسوة بالموضوع الحكومي، من دون ان يوقف تحركاته ذات الطابع الرئاسي نحو عواصم القرار الاقليمية..
وان كانت الظروف غير الناضجة لاخراج البلاد من الفراغ الرئاسي، اعادت بقوة هذا الملف الى الأدراج، ووصف السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي امام زواره زيارة الموفد جيرو بالاستطلاعية وان فرنسا لا تدعم مرشحاً معيناً ولا تضع فيتو على اي من الطامحين، فان خريطة الطريق لطي صفحة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للبلاد، يتجاوز تحركاً دولياً على ساحة لبنانية تحولت حلبة للصراعات العالمية والاقليمية على اكثرمن صعيد عسكري، امني وسياسي، ولذلك يعتبر مراقبون مواكبون للملف الرئاسي، بأن مراحل متعددة مفترض اجتيازها قبل الوصول الى العملية الانتخابية التي ستكون ترجمة للتوافقات الخارجية.
اذ تكمن المرحلة الاولى والاساسية وفق المراقبين في معرفة مسار المفاوضات النووية بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وبين الغرب مع عدم اسقاط من الحسبان دخول الجمهوريين بقوة على خط الضغط على طهران وتكثيف المطالب عليها، بعيد ترجمة سيطرتهم على الكونغرس الأميركي في شهر آذار المقبل، اي لدى ممارسة نتائج فوزهم بتولي المناصب في هذه المؤسسة الأميركية، التي يطغى على سياستها الحضور الجمهوري الذي يتحرك على قاعدة ردة الفعل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبانت من اليوم بوادر هذه المواجهة من خلال وصفهم اعلانه عن اعطاء حق اللجوء «للكوبيين» المهاجرين او اللاجئين الى اميركا هربا من النظام الكوبي وممارسته، بأنه قرار خاطئ ويجب محاسبته عليه، رافضين ربط العلاقات المستجدة بين واشنطن وبين «عاصمة السيكار» بتسويات على حساب القانون والمجتمع الأميركي.
اذ من المفترض ان تكون العلاقات الاميركية - الايرانية تحت المجهر، لا سيما ان انواع العقوبات الاربعة الدائرة في فلك الخلافات بين الغرب وبين طهران هي اربعة تتوزع اثنتان منها على العقوبات الرئاسية الاميركية والاتحاد الاوروبي، ويمكن المناورة فيها والتراجع عنها، مقارنة بالقوتين اللتين تخرجان عن الكونغرس والامم المتحدة وبعضها من غير الممكن ايقافها حتى انتهاء مهلة تطبيقها. اذا في ظل الحوار النووي وتداعياته على كامل ساحة الشرق الاوسط، رغم رفض قوى داخلية ربط الاستحقاق اللبناني بتطورات هذا الملف، فان هذا الاستحقاق مرتبط بمدى موافقة طهران للافراج عن هذا الخطر الانتخابي، بالتزامن مع ادارتها المواجهات على كافة مدى الاقليم في كل من العراق، اليمن سوريا ولبنان بنوع خاص من خلال الموقف الايراني عن تبني قرار عملية مزارع شبعا ضد العدو الاسرائيلي.
لذلك يتابع المراقبون أن طهران قادرة عن الافراج عن الاستحقاق وتسهيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية كموقع له دوره في خط الصراع الاقليمي بعيدا عن «نفخ» المسيحيين لذاتهم واعتبارهم بأنهم يقررون في هذا الملف. اذ في الواقع الميداني تترجم موافقة طهران على عملية انتخاب رئيس للبلاد من خلال اكتمال عقد الجمعية العمومية للمجلس النيابي لانجاز هذا الاستحقاق، في حين رفض ايران انهاء هذا الملف قبيل مصير ملفها وطياته يبقي الدورات لانتخاب رئيس في حلقة مفرغة.
وقبيل معرفة تداعيات تراجع اسعار النفط على كل من تحالف روسيا - ايران ومدى خضوعهما للضغوط الاميركية، تبقى المرحلة الثانية المفترض عبورها وفق المراقبين قبيل الوصول الى انجاز الملف الرئاسي، جد مترابطة مع الاولى لكون طهران تريد معرفة «الهوية» السياسية لرئيس لبنان المقبل، في ظل الازمة السورية والكلام عن تسوية في ضوء العقوبات الاقتصادية عليها التي قد تدفعها الى القبول بمرحلة انتقالية في سوريا وتسوية سياسية لا تعيد الرئيس بشار الاسد الى السلطة، وعليه يكمن الموقف الايراني بمدى موافقته على رئيس للجمهورية يرفضه «حزب الله» ولا يطمئن الى دور المقاومة في ظله، بحيث لا تريد طهران ان تفقد الأسد وكذلك «اسهمها» في الرئيس اللبناني المقبل، وهو ما يعني وفق المراقبين بأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني قد تطول فترة انجازه حتى نهاية الصيف المقبل على وقع هذا التناقض في الحسابات.
ولا يمكن في حال تجاوز المرحلتين، القفز فوق موقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون، الذي لن يقبل على ما يردد ان تبعده اية تسويات عن الوصول الى قصر بعبدا كرئيس يستند الى قوة سياسية، نيابية وشعبية، ولذلك، فان تحالف الممانعة، وفق المراقبين، سيبقى متضامنا معه ولن يترجم اي اتفاق بين طهران وبين الغرب على حساب عون، لا بل ان الاستعدادات والمتابعات تهدف لأن يكون رئيس تكتل التغيير والاصلاح جزءاً من اي اتفاق دولي لناحية انسحاب بنود منه على الملف الرئاسي اللبناني. ولذلك فان التعاطي مع هذا الملف بهدوء حتى اليوم من جانب العماد عون يندرج في خانة مواكبة هذا الحوار الدولي مع قناعة معززة بقرار بأن انسحابه من هذه المعادلة امر غير وارد، سيما انه في موقع سياسي منفتح على سائر القوى، كالمستقبل واللقاء الديموقراطي والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية وثمة تواصل دائم بين هذه القوى التي يبقى قرار بعضها للموافقة على انتخابه يترافق مع مقربين اليه ويعتبر بأن رافضي انتخابه يخسرون البلاد تفاهمات دولية واقليمية... ولذلك فان العماد عون مستمر في ترشيحه وهو يعتبر حسب مقربين اليه بأن رافضي انتخابه حاليا لا يعملون سوى اطالة مرحلة الفراغ الرئاسي.. لانه هو حكما رئيس الجمهورية المقبل... او لا رئيس... لانه لن يقبل ان يرسخ سابقة «تفقيس» الرئيس التوافقي والضعيف... واذا ما بقوا على رفضهم فهم يضيعون وقتهم.